خاص آي فيلم - فرزدق الأسدي : في أول مؤتمر صحفي عقده رئيس المنظمة السينمائية الإيرانية بعد تسنمه للمنصب، أفصح محمد خزاعي عن رغبته في دمج مهرجاني فجر الوطني و الدولي بمهرجان واحد، و بعد أقل من شهر من ذلك جاء التوكيد الرسمي لإعلانه الثوري هذا كبادرة لتغييرات جذرية كان من المتوقع أن تطرأ على مهرجان فجر في دورته الجديدة، الدورة الحادية و الأربعين.
و بالفعل جاء إعلان الدعوة العامة للدورة الـ41 من مهرجان فجر السينمائي، و الذي نشرته أمانة المهرجان يوم أمس، مليئاً بالمفاجئات التي يمكن الوقوف عندها لتمحيص غثها من سمينها، و لتقييم الأثر الذي من الممكن أن تتركه على مجمل العملية السينمائية في إيران، و كذلك على سمعة المهرجان، في شقيه الوطني و الدولي.
مهرجان فجر السينمائي طوى عقده الرابع، و فضلاً عن كونه الحدث السينمائي الأول في إيران و الذي يعد مفصلاً لما قبله و ما بعده، بات ينظر إليه كأحد أهم المهرجانات السينمائية في الشرق الأوسط.. بل و من المهرجانات المهمة على الصعيد الدولي، نظراً لمكانة إيران الرائدة في السينما العالمية.
حتى عام 1996 إكتفى المهرجان بأن يكون مهرجاناً وطنياً لتقييم و عرض المنتوجات السينمائية الإيرانية على مرّ العام المنصرم، لكن منذ هذا العام أعلن عن "مهرجان فجر السينمائي الدولي"، ليستقبل الأعمال السينمائية من مختلف البلدان، لعرضها و تحكيمها في 5 أقسام تنافسية و غير تنافسية، هي: فانوس الخيال، سينما السعادة، مهرجان المهرجانات، العروض الخاصة، و رؤى شرقية.
رغم التطلعات الاستراتيجية التي كانت تكمن خلف هذا القرار لتكوين مهرجان دولي منفصل و ذو هوية مستقلة يمثل إيران و بقوة في "بازار" المهرجانات الدلية المزدحم، لكن من أهم أسباب فصل "فجر" الدولي عن شقه الوطني كان التهميش غير المتعمد الذي كان يعاني منه القسم الدولي جراء انحسار الاهتمام صوب القسم الوطني من المهرجان بصفته العمود الفقري للمهرجان و لما له من أهمية لدى المتفرجين و الإعلام و المسؤولين و غيرهم. حتى أن بعض العروض الأجنبية عانت في بعض الدورات من شحة محرجة لحضور الجمهور.. فضلاً عن غياب شبه تام للقسم الدولي لدى الصحافة من آراء للناقدين أو تقارير للصحفيين، أو حتى غياب للحديث عنه في المجاميع الفنية و السينمائية العامة منها و حتى الشخصية.
فعندها و منذ عام 2015 قام المسؤولون عن المنظمة السينمائية بوزارة الثقافة الإيرانية فصل الشق الدولي عن الوطني بمهرجان فجر و تخصيص وقت آخر لإقامته و ذلك من أجل لفت الانتباه و بغية التركيز الإعلامي على هذا الحدث بصفته كياناً سينمائياً مفصولاً و مستقلاً يحاول الوقوف على قدميه ليثبت وجوده و ليفسح المكانة اللائقة به كعنصر من عناصر السينما الإيرانية، الآخذة بالتألق دولياً يوماً بعد يوم.
في 26 أكتوبر 2021 أعلن محمد خزاعي رسميا دمج مهرجاني فجر الوطني والدولي مؤكداً أن "إقامة هذا الحدث الهام والاستراتيجي للسينما الإيرانية بالتزامن مع احتفالات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، و من خلال دمج الإمكانيات، سيوفر بالتأكيد فرصاً عملية إضافية لصالح المجتمع السينمائي والمتفرج العام و أهالي السينما والضيوف الأجانب."
إعلان الدعوة العامة للمهرجان الـ41 يوم أمس جاء تتويجاً لهذا القرار، حيث أعلن أن هذا "القسم" يهدف: التعرف على الأعمال القيمة للسينما الإيرانية و العالمية و تعزيز و تشجيع إنتاج الأعمال المتوافقة مع السينما الإيرانية.
واللافت كذلك خروج الموقع الإلكتروني لـ"مهرجان فجر السينمائي الدولي" عن الخدمة، حيث تم دمج الموقعين الوطني و الدولي في موقع واحد، بنسختين فارسية و إنجليزية، إذ بات يتعين على المنتجين الأجانب الراغبين بالمشاركة في هذه الدورة ملأ الاستمارة التي تتيحها النسخة الإنجليزية من الموقع.
قد يمكننا اعتبار هذا القرار الغير مدروس ضربة قاصمة لكل الجهود التي بذلتها السينما الإيرانية خلال عقود لتوطيد و ترسيخ بنيان سينمائي دولي بمحورية إيران، حيث سيكون من الصعب بمكان إعادة هذه الثقة التي استغرق تكوّنها أعواماً و أعواماً من خلال إقامة "مهرجان فجر الدولي" بشكل مفصول و في زمان آخر بعيد عن جلبة مهرجان فجر الوطني - حوالي منتصف أبريل -، إلى جانب الجهود الخاصة والعامة والعلاقات التي صاغتها شخصيات أو جهات سينمائية إيرانية من أجل أن يأخذ مهرجان فجر الدولي مكانته في سجل المهرجانات الدولية.
كما يبدو استدلال محمد خزاعي هشاً للغاية من حيث استقطاب "المتفرج العام وأهالي السينما والضيوف الأجانب".. إذ سيكون الجميع منشغل آنذاك بقدر الكفاية بالأفلام الوطنية و سوف يشغله الجدول المزدحم جداً بهذا القسم من الالتفات أصلاً إلى القسم الدولي.
التغيير الآخر بهذه الدورة، و الذي يمكن اعتباره إيجابيا، هو إلغاء اقتصار عدد الأفلام المتنافسة في قسم "شوق العنقاء".. القسم الوطني، على 22 فيلما، حيث كانت تعمد هيئة الاختيار و وفقاً لقوانين المهرجان على تنقية 22 عملاً لكي تخوض غمار المنافسة بهذا القسم، إذ كانت تضطر بعض الأحيان و لأسباب مختلفة فنية و غير فنية لكي تضع جانباً بعض الأعمال التي كان ينتظرها أو يعول عليها الجمهور و النقاد و الصحفيون، ما أدى إلى ضحالة و تنزّل القيمة العامة لمجموعة الأفلام المختارة لهذا القسم، خاصة خلال الدورات الأخيرة، و إلى وجود تباين واضح بين مستويات الأعمال المتنافسة، وبالتالي ما يجعل المنافسة أمراً عديم القيمة، من خلال امتصاص ضراوة المنافسة.
فيما كانت الدورات السابقة من هذا الحدث السينمائي، تحدد شرط زمان الإنتاج كأحد الشروط الأساسية لقبول الأفلام، لكن هذا العام تم إلغاء هذا الشرط. ففي الدورات الماضية كان يستقبل المهرجان الأفلام التي تم إنتاجها في غضون عام من الدورة السابقة للمهرجان إلى الدورة الحالية، و ألا يكون تم عرضها قبل المهرجان.. لكن الدعوة العامة لفجر الـ41 تنص على أن الأفلام الروائية الطويلة التي تكون لديها تراخيص الإنتاج أو العروض من المنظمة السينمائية والتي لم يتم عرضها قبل انطلاق المهرجان على الشاشة العريضة أو إلكترونياً أو في التلفزيون.. يمكنها المشاركة في هذه الدورة.
إلحاق "القسم الثقافي" لمهرجان فجر الوطني و بشكل متعجّل و مفاجيء في العام الماضي أثار انتقاد العديد من الناقدين و الخبراء.. حيث أكد إعلان الدعوة العامة للدورة الـ41 إلغاءه بشكل عام.
"الجائزة الخاصة" بمهرجان فجر، هو عنوان جديد سوف تحط "العنقاء البلورية" على أكتاف الفائز بها، لأول مرة في مهرجان فجر الـ41.. رافعة عدد العنقاوات بالمهرجان إلى 21 عنقاء.
حذفت أمانة المهرجان في هذه الدورة جائزة العنقاء لـ"أفضل سيناريو مقتبس" حيث تم إدراج هذا القسم في الدورة السابقة.. لكن لم يتم منحها إلى أي فيلم.. و تم الاكتفاء بإعطاء عنقاء لـ"أفضل سيناريو" مع تجنب الحديث عن كونه مقتبساً أو غير مقتبس. إذ أن الفتور لدى كتاب السيناريو و المخرجين و مجمل السينما الإيرانية في الإقبال على الموروث الأدبي و الثقافي العظيم في إيران أو الموروث الأدبي العالمي أكثر وضوحاً من أن يستوجب تخصيص قسم و جائزة إلى الاقتباس السينمائي.. ما يجعل هذا التخصيص إهداراً في قيمة العنقاء و المهرجان، بسبب قلة الأعمال المشاركة بهذا القسم.
يذكر أن جائزة العنقاء لأفضل سيناريو كانت إحدى أكثر الجوائز تقلبات في مختلف دورات مهرجان فجر السينمائي.
من النقاط الإيجابية الأخرى بإعلان فجر الـ41، رفع مدة الأعمال المشاركة بمنافسات الأفلام القصيرة من 15 إلى 20 دقيقة، ما ينبىء بمنافسة أكثر احتداماً من حيث الكمّ والكيف للأفلام المشاركة بهذا القسم.
خلافاً للأعوام السابقة التي كان المهرجان يمهل الراغبين بالمشاركة 10 أيام للتسجيل، أتاح مهرجان فجر الحادي و الأربعين مدة شهر كامل لهذا الأمر.
في الدورات الماضية، كان شرط منح العنقاء لأفضل فيلم أنيميشن هو حضور ثلاثة أفلام على الأقل في هذا القسم، و لكن هذا العام تم تقليل عدد هذه الأعمال إلى فيلمين، حيث سيتم منح العنقاء لأحد هذين الفيلمين.
تغيير إهداء العنقاء إلى أفضل فيلم وثائقي و أنيميشن هو أيضاً أحد التغييرات الأخرى في دورة هذا العام من مهرجان فجر، فبينما منحت العنقاء في العام الماضي بشكل مشترك إلى المنتج و المخرج، و بالطبع واجهت انتقادات بسبب إهداء التمثال إلى المنتج فقط، لكن و وفق إعلان بيان المهرجان من المقرر أن يتم منح هذه الجائزة هذا العام إلى المخرج.
رغم تصريح بيان الدورة السابقة على ضرورة وجود هيئتي اختيار و تحكيم مستقلتين للأفلام الوثائقية و القصيرة، لكن بيان هذه الدورة اختار الصمت تجاه هذا الجانب، تاركاً بعض الهواجس لدى الخبراء و أهالي السينما من حيث الاختلاف الجوهري الذي يطبع الأفلام الوثائقية والقصيرة عن الأفلام الروائية الطويلة، و الذي قد تجهله أو تتجاهله هذه الدورة.
"بعد إعلان رأي لجنة الاختيار و تأهل الأعمال إلى المهرجان، يتعين على المنتج الحضور إلى أمانة المهرجان للإطلاع على تعليمات و قواعد المشاركة في المهرجان، و أن يقدم تعهداً بالالتزام بالقواعد و اللوائح الواردة فيه، و إلا سوف يتم استبدال أفلامهم بأفلام أخرى." هذا هو من البنود المستجدة في بيان مهرجان فجر و الذي أثار استغراب بل و حتى حنق أهالي السينما إذ يكلف المشاركين بالتوقيع على "خطاب تعهد"، كما أنه لم يخلو من نبرة تهديد، لا تليق بمهرجان ثقافي اعتمادها مع من يُعتبرون أولياءه.. حيث خلت جميع بيانات مهرجانات فجر السابقة الأربعين من هكذا نبرة.
لكن بنداً أخراً نصت عليه المهرجانات السابقة بعدم السماح للإنصراف أو التخلي عن المشاركة في الأقسام الأصلية بالمهرجان بعد التسجيل.. خلا منه بيان مهرجان فجر الـ41.
خلافاً لجميع الدورات السابقة من مهرجان فجر السينمائي الدولي حيث كانت تمنح جائزة لأفضل ممثل أو ممثلة في الأفلام الأجنبية، بصورة عنقاء بلورية أو دبلوم شرف أو أشكال أخرى.. لكن مهرجان فجر الـ41 استبعد هذه الجائزة عن جدول أعماله.
قد تكون الظروف التي آلت إليها مهرجانات فجر في الأعوام الأخيرة تستوجب.. أو حتى تبرر بعض أو كل هذه التغييرات، الجوهرية منها و العرضية.
يبدو أن ما ينقص مهرجان فجر هو عدم الاعتبار من هذه الخبرات المتكدسة طوال أربعين عاماً، ما سبب في تفاقم عدم الثقة لدى أهالي السينما بالنسبة للقائمين على المنظمة السينمائية و أمانة مهرجان فجر و قراراتهم، حيث هناك قائمة طويلة من التعديلات التي تمت على مختلف دورات المهرجان.
فإلى متى يريد أن يستمر أسلوب "التجربة والخطأ" هذا.. وذلك على مهرجان تعول عليه إيران لكي يكون معلماً بارزاً و وجهاً مشرقاً آخر من الحضارة الإيرانية؟!
بخوف و رجاء إذاً يجب أن نترقب وقائع مهرجان فجر الحادي و الأربعين.. بكل إيجابياته المرتجاة و سلبياته المتوقعة، أملاً في أن يكون سجل السينما الإيرانية خلال العام المقبل أكثر إشراقاً وتألقاً.. وأن تنجح أمانة المهرجان في انعكاس هذا النتاج بأفضل وجه.
سيكون من الصعب للقائمين على هذه الدورة العبور بسلام من منحدر المهرجان، خاصة في القسم الوطني منه، كما سيتعين عليهم و في القسم الدولي بذل جهود أكبر و أكثر فطنة و حنكة للحفاظ على المستوى الذي وصل إليه في دوراته الدولية المستقلة، و لحفظ الثقة لدى المنتجين والمخرجين وأهالي السينما الأجانب بإقناعهم للمشاركة في الدورات القادمة.. صعبٌ، لكنه ليس غير ممكنا!